responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 120
الْعَظِيمُ
عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ تِلْكَ الْحَالَةِ مَرْتَبَةً رفيعة، ودرجة عالية.

[سورة التوبة (9) : آية 90]
وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (90)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا شَرَحَ أَحْوَالَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْمَدِينَةِ ابْتَدَأَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِشَرْحِ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ فِي قَوْلِهِ: وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ وَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْمُعَذِّرِينَ، وَذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُعْذِرَ هُوَ الْمُجْتَهِدُ الَّذِي لَهُ عُذْرٌ، وَالْمُعَذِّرُ بِالتَّشْدِيدِ الَّذِي يَعْتَذِرُ بِلَا عُذْرٍ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمُعْذِرَ هُوَ الْمُجْتَهِدُ الْبَالِغُ فِي الْعُذْرِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: قَدْ أَعْذَرَ مَنْ أَنْذَرَ، وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ فَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَصَلَ بَيْنَ أَصْحَابِ الْعُذْرِ وَبَيْنَ الْكَاذِبِينَ، فَالْمُعَذِّرُونَ هُمُ الَّذِينَ أَتَوْا بِالْعُذْرِ. قِيلَ: هُمْ أَسَدٌ وَغَطَفَانُ. قَالُوا: إِنَّ لَنَا عِيَالًا وَإِنَّا بِنَا جَهْدًا فَائْذَنْ لَنَا فِي التَّخَلُّفِ. وَقِيلَ: هُمْ رَهْطُ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ، قَالُوا: إِنْ غَزَوْنَا مَعَكَ أَغَارَتْ أَعْرَابُ طَيِّءٍ عَلَيْنَا، فَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ لَهُمْ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: نَفَرٌ مِنْ غَطَفَانَ اعْتَذَرُوا. وَالَّذِينَ قَرَءُوا الْمُعَذِّرُونَ بِالتَّشْدِيدِ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ فَلَهُ وَجْهَانِ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ.
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا اللَّفْظِ الْمُعْتَذِرُونَ فَحُوِّلَتْ فَتْحَةُ التَّاءِ إِلَى الْعَيْنِ، وَأُبْدِلَتِ الذَّالُ مِنَ التَّاءِ، وَأُدْغِمَتْ فِي الذَّالِ الَّتِي بَعْدَهَا، فَصَارَتِ التَّاءُ ذَالًا مُشَدَّدَةً.
وَالِاعْتِذَارُ قَدْ يَكُونُ بِالْكَذِبِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ [التَّوْبَةِ: 94] فَبَيَّنَ كَوْنَ هَذَا الِاعْتِذَارِ فَاسِدًا بِقَوْلِهِ: قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا وَقَدْ يَكُونُ بِالصِّدْقِ كَمَا فِي قَوْلِ لَبِيدٍ:
وَمَنْ يَبْكِ حَوْلًا كَامِلًا فَقَدِ اعْتَذَرَ
يُرِيدُ فَقَدْ جَاءَ بِعُذْرٍ صَحِيحٍ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُعَذِّرُونَ عَلَى وَزْنِ قَوْلِنَا: مُفَعِّلُونَ مِنَ التَّعْذِيرِ الَّذِي هُوَ التَّقْصِيرُ. يقال:
عذرا تَعْذِيرًا إِذَا قَصَّرَ وَلَمْ يُبَالِغْ. يُقَالُ: قَامَ فلان قيام تعذير، إذا اسكتفيته فِي أَمْرٍ فَقَصَّرَ فِيهِ، فَإِنْ أَخَذْنَا بِقِرَاءَةِ الخفيف، كَانَ الْمُعَذِّرُونَ كَاذِبِينَ. وَأَمَّا إِنْ أَخَذْنَا بِقِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ، وَفَسَّرْنَاهَا بِالْمُعْتَذِرِينَ، فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ:
يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ كَانُوا صَادِقِينَ وَأَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ، وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ قَالَ: الْمُعَذِّرُونَ كَانُوا صَادِقِينَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَهُمْ قَالَ بَعْدَهُمْ: وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلَمَّا مَيَّزَهُمْ عَنِ الْكَاذِبِينَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِكَاذِبِينَ. وَرَوَى الْوَاحِدِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو: أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ لَهُ هَذَا الْكَلَامُ قَالَ: إِنْ أَقْوَامًا تَكَلَّفُوا عُذْرًا بِبَاطِلٍ، فَهُمُ الَّذِينَ عَنَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ وَتَخَلَّفَ الْآخَرُونَ لَا لِعُذْرٍ وَلَا لِشُبْهَةِ عُذْرٍ جَرَاءَةً عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَهُمُ الْمُرَادُونَ بِقَوْلِهِ: وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِي قَالَهُ أَبُو عَمْرٍو مُحْتَمَلٌ، إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ. وَقَوْلُهُ: وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَهُمْ مُنَافِقُو الْأَعْرَابِ الَّذِينَ مَا جَاءُوا وَمَا اعْتَذَرُوا، وَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي ادِّعَائِهِمُ الْإِيمَانَ. وَقَرَأَ أُبَيٌّ كَذَّبُوا بِالتَّشْدِيدِ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالنَّارِ، وَإِنَّمَا قَالَ: مِنْهُمْ لِأَنَّهُ تَعَالَى كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ بَعْضَهُمْ سَيُؤْمِنُ وَيَتَخَلَّصُ عَنْ هَذَا الْعِقَابِ، فَذَكَرَ لَفْظَةَ مِنْ الدَّالَّةِ عَلَى التبعيض.

[سورة التوبة (9) : الآيات 91 الى 92]
لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 120
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست